اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
الكنز الثمين
131158 مشاهدة print word pdf
line-top
الإقسام بذات الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الله

خامسا: لا يجوز الإقسام بذات الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الله، أو السؤال بحقه أو بجاهه.
ثم قال هذا الكاتب في السطر السابع:
[(التوسل) كلمة التوحيد لا تتم إلا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فكيف يتهم بالشرك من توسل به إلى الله؟! لك أيها المسلم العاقل أن تتوسل إلى الله بكل ما يحبه الله …إلخ].
والجواب:
نقول: نعم! لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله، إلا بشهادة أن محمدا رسول الله، ذلك لأنه الذي دل على التوحيد ودعا إليه، ولأن الله تعالى نوَّه برسالته، كما في قولـه تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ وقوله: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا .
وقد فسرت هذه الشهادة بأنها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبَد الله إلا بما شرع.
وفسرت الشهادة له بالعبودية والرسالة: بأنه عبد لا يُعبَد، ورسول لا يُكذَّب، بل يطاع ويُتَّبَع، فليس معنى هذه الشهادة أو من مستلزماتها التوسل بذاته وسؤال الله بجاهه ونحو ذلك.
فأما قوله: [فكيف يتهم بالشرك من توسل به إلى الله؟].
فنقول: إن أراد من توسل بطاعته واتباعه فلا بأس بذلك، كأن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بإيماني وتصديقي واتباعي لرسولك وطاعتي له، أن تغفر لي ونحو ذلك، كما يجوز التوسل بسائر الأعمال الصالحة، كقصة أصحاب الغار الذين توسل أحدهم: ببرّه لأبويه، والثاني: بعفته عن الحرام، والثالث: بأمانته وأدائه حق الغير مع غلته .
فيجوز أن نتوسل إلى الله بالصلوات، والأذكار، والصدقة، والجهاد، ونحوها من أعمال العبد التي يرحمه الله بسببها، ويقبل دعاءه.
وهكذا إن أراد التوسل بمحبته، واحترامه وتوقيره، والصلاة والسلام عليه، وتعظيم سنته وشرعه وما جاء به، فهذا من التوسل المشروع، فيقول: يا رب، أسألك وأتوسل إليك بمحبتي لك ولنبيك، وباحترامي له ولسنته، أن تهب لي من فضلك، وترزقني حلالا، وتبارك لي فيما أعطيتني، ونحو ذلك.
وهكذا إن أراد التوسل بدعائه وشفاعته فلا بأس بذلك، ولكن يطلب ذلك كله من الله ويوجه إليه سؤاله، فيقول: اللهم اجعلني ممن تناله شفاعة نبيك يوم القيامة، أو: اللهم وفقني للعمل الصالح الذي أنال به شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- أو: اجعلني من المؤمنين الذين يدخلون في دعائه واستغفاره -صلى الله عليه وسلم- وكل هذاونحوه جائز إن شاء الله، ولا يخالف فيه أحد من أئمة الدعوة أو غيرهم من أهل السنة.
وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يستغفر للمؤمنين كما في قولـه تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ . فأنت تدعو الله أن يجعلك من المؤمنين الذي يعمُّهم هذا الاستغفار.
أما إن أراد هذا الكاتب السؤال بذاته، أو الإقسام بذاته على الله، أو السؤال بحقه أو بجاهه فهذا لا يجوز، فلم يرد عن الصحابة، ولا عن أحد من أئمة الدين أو علماء المسلمين المقتَدى بهم، ولا نُقل أن أحدا منهم قال: اللهم إني أسألك بحق نبيك، أو أنبيائك، أو بجاه أو حرمة فلان، أو أتوسل إليك بنبيك ونحو هذا، ولم يفعلوه في الاستسقاء ولا في غيره، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا عند قبر غيره، ولم يرد هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقله المتأخرون الذين وقعوا في الغلو والشرك، وينقلون في ذلك أحاديث ضعيفة، أو موضوعة؛ لا تقوم بها حجة.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1 / 202) عن أبي حنيفة وأصحابه أنهم صرحوا بالنهي عن ذلك، وقالوا: لا يُسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك.
ثم نقل عن أبي حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك.
وقال أبو يوسف: معقد العز من عرشه هو الله، فلا أكره هذا. وأكره أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام .
قال القدوري: المسألة بحقه لا تجوز؛ لأنه حق للخلق على الخالق، فلا تجوز وفاقا. انتهى.

ومعنى قوله: لا حقَّ للمخلوق على الخالق. أي: لا يجب على الله حق لخلقه، بل هو -سبحانه- المتفضل على عباده، وهو الذي وفقهم للهداية والأعمال الصالحة، وامتنَّ على من شاء منهم بالفضيلة والكرامة، والنبوة والولاية، فليس لأحد عليه حق من واجب نظير ما يجب للمخلوق على المخلوق من الحق، الذي يطالب به ويلزم من عليه الحق بأدائه، فأما ما ورد من الأحاديث في حق العباد على الله، كقوله -صلى الله عليه وسلم- وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فهو حق تفضل وتكرم، ووعد وعدهم به، وهو لا يخلف الميعاد.
فأما قول الكاتب: [لك أيها المسلم العاقل أن تتوسل إلى الله بكل ما يحبه الله].
جوابه: ما تقدم من أن التوسل الجائز هو التقرب إلى الله بكل الأعمال الصالحة التي يحبها، فمتى عمل المسلم الحسنات، وتقرب إلى الله بالقربات التي يحبها، كان ذلك أعظم التوسل، وهو معنى قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ . أي: تقربوا إليه بالأعمال التي يحبها، وتكون موصلة لكم إلى مرضاته.
فأما التوسل بالذوات والأشخاص وسؤال الله بحقهم، فإن ذلك لا يجوز، ولم يفعله السلف الصالح، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.

line-bottom